للكاتب [ مدير الموقع ] / بتاريخ 26, مارس, 2010

الميدان

والميدان هو فن السمر، وهو فن الشعر، والتلاعب بالألفاظ العربية في قالب شعري متقن. وهو يقام ــ عادة ــ في مكان متسع بعيد عن الحي أو القرية، أطلق على هذا المكان اسم ( المقام ) أو ( الميدان ) ثم انتقلت التسمية إلى الفن نفسه، فأصبح يعرف بفن ( الميدان ). الميدان فن يمارس في ولايات ومناطق الباطنة والشرقية والظاهرة، وبعض ولايات المنطقة الداخلية، وإن كانت هناك بعض الفروق البسيطة في كيفية الأداء بين منطقة وأخرى. يقام الميدان في مناسبات عديدة، فهو يقام في مناسبات الأعراس ( احتفالات الزواج )، والختان ( للصبية )، وقد يقام للتسلية والسمر.

 ولكن أهم غرض يقام من أجله الميدان هو غرض التطبيب الشعبي لأولئك الذين يعتقد أنه أصابهم مس من الجن، ويريدون الشفاء، ولذلك تنصب خيمة الميدان التي يترأسها رجل يسمى (( أبو الميدان ))، ويساعده أحد الرجال، وقد يكون أبو الميدان امرأة يساعدها أحد الرجال.

 فن الميدان يقام في أدوار، هي: دور الصلاة، دور السنة، دور السلام، ودور الغباشي. وقد يلحق بالأدوار الثلاثة الأولى دون الغباشي، زفة، وهي نوعان: الزفة العادية، وزفة الذباح.

 يبدأ الميدان بدور الصلاة، ويتكون من ثلاثة أجزاء، هي: اليويوه، والتدويره، والتغريبة، وفي هذا الدور يكون الغناء بشعر شعبي في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوالى الشعراء في ارتجال شلات شعر الصلاة والسلام في قسم اليويوه، حيث يعبرالشاعرعن رغبته في المشاركة بشعره عندمـــا يصبح بصوته بكلمة (( يابس )).

ويكون ترتيب طبول الميدان في هذا القسم على الترتيب التالي: الطبل الواقف، وعلى يساره الطبل الرحماني، وعلى يسار الرحماني الطبل الكاسر،  وثلاثتهم على خط مستقيم واحد.

 في الجزء الثاني من الدور، وهو التدويرة، ينتقل الطبل الواقف من مكانه مسافة، ويتقدم إلى الأمام، وذلك عندما يصيح   أحد المشاركين قائلاً: حوّل، حوّل الوقافي، بينما يبقي الطبلان الكاسر والرحماني في مكانهما. ويبدأ الغناء في التدويرة بتنغيم كلمة (( يو )), تليها قصيدة شعبية يرتجلها أحد شعراء الميدان، ويقوم بتلقينها ضارب الطبل الواقف الذي يقوم بدوره بغنائها وهو يدق طبله، وبعد غناء شلة الشعر، تتحرك الزانة: وهي آلات الإيقاع من أماكنها، يتحرك الكاسر والرحماني في اتجاه الطبل الواقف: الكاسر يتقدم الرحماني، وضارب كل منهما يواجه الآخر، أي أن طبال الكاسر يمشي بظهره، وكلاهما متجه نحو الطبل الواقف، ثم تبدأ الطبول الثلاثة في الحركة حول الميدان حتى يعودوا إلى أصل أماكنهم.

من هذه الحركة التي تدور فيها الطبول حول الميدان كانت تسمية هذا الجزء باسم التدويرة والتي ترقص النساء فيها مقابل الرجال، وتستمر الحركة الراقصة مع تحرك آلات الإيقاع في دورة محددة النظام، حيث تجلس النساء في ناحية، ويتقدم إليهن الرجال يدعونهن للرقص، فيستجبن.

 في التغريبة، وهى الجزء الأخير من الدور، يتغير إيقاع الطبول، ويصبح ثنائياً بسيطاً نشطاً كي يتلاءم والبحر الشعري القصير الذي يقرض منه الشعر في التغريبة شعراً وغناءً.

الدور الثاني من أدوار الميدان، (( دور السنة ))، ويتكون أيضاً من الأجزاء الثلاثة: اليويوه، التدويرة، والتغريبة، ولكن بشعر يختلف عن شعر أجزاء دور الصلاة، أما الإيقاع، وحركة رقص النساء، فهما نفس الإيقاع والحركة في دور الصلاة لا يختلفان.

 أما دور السلام، فهو دور مفتوح لمشاركة الضيوف فيه شعراً، فهم يؤدون واجب التحية والسلام على أهل مقام الميدان وهؤلاء بدورهم يردون عليهم التحية بأحسن منها بشعر مرتجل ، حيث يأخذ كل شاعر ضيف دوره في التعبير عن مشاعره ، وقد يقوم الشاعر الضيف بالغناء بنفسه إن كان ضارباً للطبل الواقف ، وجميل الصوت وبارعاً في تقطيع الشعر على الإيقاع ، حيث يستخدم المغني لشعر الميدان مدوداً خاصة تميز غناء الميدان عن غناء غيره من الفنون أما إذا لم يكن كذلك لقن شعره لضارب الطبل الوقافي ( الواقف ) ليقوم هو بغنائه وهو يدق طبله . والإيقاع في دور السلام لا يختلف عن الدورين السابقين.

 دور الغباشي هو الدور الرابع من أدوار فن الميدان، وهو ختام الرمسة قرب انبلاج الفجر، والإيقاع والحركة فيه ثابتان لا يتغيران ويشارك الضيوف من الشعراء فيه بشعرهم حيث يكون الشعر شعر وداع من الضيف لأهل المقام ( الخيمة ).

 

آلات الإيقاع التي تستخدم في الميدان هي على النحو التالي:-

 

1-  الطبل الواقف: ويسمى (( الوقافي )) طبل طويل نسبيا ذو قاعدة على شكل كرسي ليقف عليها، وله غشاء من جلد البقر من جهة واحدة، ويضرب بالكف، ويقع دائما إلى يمين آلات الإيقاع.

2- الطبل الرحماني: يضرب بالكف على كلا الوجهين، ويقع إلى يسار الطبل الواقف.

3- الكاسر: أصغر حجماً من الرحماني، ويضرب بالكف على كلا الوجهين ويقع إلى يسار الرحماني.

4- الحجم: أو (( البرغام ))، وهو صدفة بحرية ينفخ فيها فيصدر عنها صوت متقطع، يزين به الإيقاع في الميدان.

 

الشعر في الميدان فن له أصوله وتقاليده التي يراعيها شعراؤه ، ففي شلات شعر الميدان يتفنن الشاعر في تقديم أصعب المصطلحات والألفاظ العربية ، ليس ذلك فحسب بل يتلاعب أو يتفنن في طريقة سبكه لهذه الألفاظ ، ويكثر من الجناس والطباق ليصل إلى المعنى أو الموضوع الذي يريد أن يتحدث عنه أو يبرزه ، سواء أكان ذلك في شعر الحكمة والأقوال المأثورة ، أو الغزل والنسيب ، أو في الفخر والمدح ، أو كان مشاكاة (( أي  مطارحات ))  بين شاعر وآخر أو في شعر الألغاز والأحاجي ( الغطاوي ) ، فالشعر في الميدان تتعدد أغراضه بتعدد المواضيع التي يتعرض لها الناس في ممارستهم للأساليب الحياتية .(1)

وهذا مثال لأشعار الميدان من كتاب الشيخ / محمد المسروري بعنوان ( الميدان مبنى ومغنى ومعنى )

 

يوم نقفر الذيب في الماء ندوس      زرعك يا بيدار ما نــدوسه

اللي يربي الفأر في المنـــدوس      يصبر على ضياع مندوسه