للكاتب [ مدير الموقع ] / بتاريخ 26, مارس, 2010

لمحة عن عصر ما قبل التاريخ -النشأه

كان لا بد من مرور آلاف السنين لتنمو الإنسانية من مرحلة الطفولة، ويقابلها في الموسيقي تقليد أصوات الطبيعة إلى مرحلة التأمل والتفكير التي تدرج فيها الإنسان من الصيحات أو الصراخ والدق على الأخشاب إلى استخراج أصوات أكثر تهذيبًا واستعمال ما يحيط به في الكون من مواد مثل جلود الحيوانات التي شدها على جذوع الأشجار اليابسة المجوفة فعرف الطبول في شكلها البدائي، أو قطع الغاب التي نفخ فيها فأحدثت صفيرًا ثم أحدث فيها ثقوبًا فتعددت الأصوات التي تخرج منها.


وعندما عرف الإنسان النسيج وتأمل الوتر الرفيع ولاحظ أنه إذا كان مشدودًا يحدث اهتزازه أصواتًا باهتة ضعيفة فأراد أن يكون لهذا الوتر صوت أعلى ورنين أقوى فصنع لها صندوقًا تشد عليه الأوتار؛ ليضخم أصواتها الخافتة، كان هذا مصاحبًا لانتقال الإنسان من السكن في الكهوف والغابات إلى الكوخ من صنع يديه.

النضج والتطوير
وكلما ارتقى الإنسان ونضج تفكيره تبدلت نبرات تعبيره، فبدلاً من النفخ في القواقع أخذ ينفخ في تلك الآلات التي صنعها، وبدلاً من النقر على جذوع الأشجار ضرب على الطبول إيقاعات كانت له بمثابة لغة تتخاطب بها القبائل التي تعيش على مسافات بعيدة عن بعضها.
وكذلك تحول الصراخ إلى نوع من الغناء الفطري يتسلى به أو يستعمله لأغراض السحر والشعوذة أو لطرد الأرواح الشريرة أو لاستجداء الأمطار في مواسم الجفاف.
وعندما وصل الإنسان إلى هذه المرحلة كانت القبائل قد تجمعت وكونت شعوبًا، واستقرت في بعض بقاع الأرض القريبة، من ينابيع المياه أو الأنهار، وكلما مرت القرون تطور ذهن الإنسان، وارتقى تفكيره، كما زاد عنده الإحساس بالجمال في شتى أشكاله وأنواعه، وبدأ ينقش أو يرسم على جدران الكهوف الكثير من أشكال الحيوانات المحيطة به.
ولقد صعدت إلى قمة هذه المدنيات القديمة أمم متعددة كانت في طليعتها مصر والصين والهند وفارس واليونان، وأصبح لكل منها حضارتها المميزة وأسلوبها الخاص في التعبير عن شخصيتها، بمختلف الفنون كالنحت والرسم والمعمار والموسيقى، حيث عرفت السلالم الموسيقية والأجناس، كما بلغت صناعة الآلات حدًّا كبيرًا من الإتقان.

وظيفة الموسيقى قديمًا
لم تكن الموسيقى عند شعوب الممالك القديمة مجرد وسيلة لقضاء أوقات الفراغ في الترويح عن النفس والاستمتاع بحالة الطرب أو النشوة التي تحدثها في النفوس، بل كانت للموسيقى وظائف اجتماعية أخرى قلما نجد لها مثيلاً في المجتمعات المعاصرة حتى التي تعتبر متحضرة، فقدماء المصريين كانوا يستعملون الموسيقى والغناء في تعليم القوانين ونشر المعارف، وكانت شعوب أفريقيا تستخدم الطبول في إرسال الإشارات ونقل المعلومات عبر المسافات الشاسعة خاصة في المناطق التي يصعب الانتقال فيها، كما كانت الموسيقى وسيلة لحفظ التراث والقصص الشعبي، فما زال المغنون في الريف المصري يسردون سيرة أبطال الأساطير العربية مثل "أبو زيد الهلالي" و"الزناتي خليفة" و"عنترة بن شداد" وغيرهم بمصاحبة آلات شعبية كالأرغول أو الربابة.

ومن عادات قدماء المصريين جلوس العازفين القرفصاء على الأرض، بينما يقوم الراقصون رجالاً كانوا أو نساء أو من الجنسين أحيانًا بحركات جذابة وأحيانًا رياضية بغرض إدخال السرور إلى النفوس.
وفي بعض النقوش نرى صورة المغنين وقد وضعوا يدهم اليسرى على آذانهم كما يفعل حتى الآن بعض المغنين في الريف المصري، وفي سبيل التعرف على موسيقى مصر القديمة يمكننا أن نستنتج أن الموسيقى عند قدماء المصريين كانت مقامية، أي أن كل لحن له درجة صوتية يدور في فلكها ويرتكز عليها، وكذلك كانت أيضًا موسيقى الحضارات القديمة كالصينية أو الهندية، تعرف المقامات الموسيقية.

ومن مدونات "هيرودوتس" - أبو التاريخ - أمكننا أن نعرف أن من أغانيهم نوعًا يعبر عن الحزن والألم، وهو الذي يسميه اليونانيون (ماينروس)، وهو الذي كان يستعمل في الجنازات والمآتم، وأن الموسيقيين والمغنيين المتخصصين في الموسيقى الدنيوية للأفراح والمسرات كانوا يتمتعون باحترام الشعب والنبلاء الذين كانوا يجزلون لهم العطاء، فينفقون على شراء أفخم الثياب، ويحيطون أنفسهم بحاشية من الخدم.